في دولة الإمارات، يُشكّل القانون المدني الاماراتي العمود الفقري للعلاقات المدنية بين الأفراد والهيئات، من حيث الالتزامات، العقود، الحقوق العينية، المسؤولية المدنية، والتقادم.
في هذا المقال نستعرض ماهية هذا القانون، وأهمية وجوده، وأبرز محاوره (أحكام الالتزام، تنظيم العقود، الحقوق العينية، المسؤولية، مدة التقادم)، ثم ننتقل إلى تقسيماته ودور المحامي المختص في هذا المجال.
للمزيد من الاستشارة القانونية بشأن القانون المدني، تواصل مع محامي في الإمارات عبر واتساب.
جدول المحتويات
تعريف ماهية القانون المدني الاماراتي
يُقصد بـ القانون المدني الاماراتي المنظومة التشريعية التي تنظم العلاقات الخاصة بين الأفراد والأشخاص الاعتبارية في دولة الإمارات العربية المتحدة، سواء تعلقت بالمعاملات المالية أو الحقوق العينية أو الالتزامات أو العقود. ويُعد هذا القانون المرجع الأساسي في تسوية المنازعات المدنية، بما فيها قضايا الملكية والمسؤولية المدنية والتعويضات.
يستمد القانون المدني الاماراتي جذوره من الشريعة الإسلامية بوصفها المصدر الرئيس للتشريع، إلى جانب الاستفادة من التجارب المقارنة في القوانين العربية والدولية الحديثة، ما يمنحه طابعًا مرنًا يواكب التطورات الاقتصادية والاجتماعية في الدولة.
وقد تم تقنين هذه الأحكام في القانون الاتحادي رقم (5) لسنة 1985 بإصدار قانون المعاملات المدنية لدولة الإمارات العربية المتحدة، الصادر والمنشور في الجريدة الرسمية ودخل حيّز النفاذ بعد ثلاثة أشهر من تاريخ نشره، ليُشكّل الركيزة الأساسية للعلاقات المدنية في الدولة.
أقسام القانون المدني في الإمارات
يمكن تقسيم القانون المدني الاماراتي – الصادر بموجب القانون الاتحادي رقم (5) لسنة 1985 بإصدار قانون المعاملات المدنية – إلى مجموعة من الأبواب والكتب التي تنظّم مختلف العلاقات المدنية، وفق هيكل واضح ومتكامل يربط بين القواعد العامة والأنواع الخاصة من الالتزامات والحقوق. وتشمل هذه الأقسام ما يلي:
- الباب التمهيدي (الأحكام العامة)
 يتضمن القواعد الأساسية لتطبيق القانون، ومصادره، وتعارض القوانين من حيث الزمان والمكان، إضافة إلى الأحكام المتعلقة بالأهلية، والشخص الطبيعي والاعتباري، وحماية الحقوق المدنية. كما ينظم هذا الباب مفهوم المال والملكية والتمييز بين الحقوق الشخصية والعينية.
- العقود المسماة وغيرها من الالتزامات
 يشمل هذا القسم مجموعة العقود التي نظّمها المشرّع الإماراتي بالتفصيل مثل عقد البيع، الإيجار، المقاولة، الوكالة، الرهن، الوديعة، والشركة، إضافة إلى القواعد العامة للالتزامات. ويُعالج أحكام تكوين العقد، وآثاره، وشروط تنفيذه أو فسخه.
- الحقوق العينية
 يتناول الكتاب الثالث من القانون المدني الإماراتي تنظيم الحقوق العينية الأصلية مثل حق الملكية وحق الانتفاع وحق الارتفاق، إضافة إلى الحقوق العينية التبعية مثل الرهن والامتياز وحق الاختصاص. ويفرّق بين طرق اكتساب الملكية ونقلها وانقضائها.
- إثبات الحقوق المدنية والتقادم والمسؤولية المدنية
 يختص هذا الجزء ببيان طرق الإثبات في المسائل المدنية (كالكتابة، الشهادة، القرائن، اليمين، والمعاينة)، ومدد التقادم التي تسقط بها الحقوق، وأحكام التعويض الناتجة عن الإخلال بالعقود أو الأفعال الضارة. كما يُبرز مبادئ العدالة في تقدير الضرر وإزالة آثاره.
أهمية القانون المدني الإماراتي
تنبع أهمية القانون المدني الاماراتي من كونه الإطار الذي يُنظّم كافة العلاقات الخاصة بين الأفراد والمؤسسات، ويضمن اتساقها مع المبادئ القانونية والشرعية المعمول بها في الدولة.
- يشكّل القانون المدني مرجعية موحّدة للعلاقات المدنية في الدولة، مما يعزّز الاستقرار القانوني ويزيد ثقة المتعاملين في النظام القضائي، خاصة في المعاملات المالية والعقود التجارية والمدنية التي أصبحت تستند إلى نصوص واضحة ومنضبطة.
- يحمي القانون المدني حقوق الأفراد والشركات من خلال وضع قواعد دقيقة للملكية، والالتزامات، والتعويضات، بما يقلّل من احتمالات النزاع ويضمن العدالة في التعاملات اليومية.
- يسهم في جذب الاستثمارات الأجنبية وتطوير البيئة الاقتصادية للدولة، إذ يوفّر نظامًا قانونيًا متوقع النتائج ويحدّ من المخاطر القانونية، الأمر الذي يعزز ثقة المستثمرين المحليين والدوليين.
- يعكس مزيجًا متوازنًا بين مبادئ الشريعة الإسلامية كأساس تشريعي، وبين القواعد المدنية المقارنة الحديثة، مما يجعله متوافقًا مع الطبيعة المتعددة الثقافات والقطاعات في المجتمع الإماراتي.
أهم الجوانب في القانون المدني الإماراتي
يُعدّ القانون المدني الاماراتي من أكثر القوانين شمولاً في تنظيم العلاقات الخاصة بين الأفراد، إذ وضع إطاراً عاماً يحكم التصرفات القانونية، والالتزامات، والعقود، والحقوق العينية، والمسؤولية المدنية، إضافةً إلى تحديد مدد التقادم. وفيما يلي أبرز الجوانب التي يتناولها هذا القانون الاتحادي:
أحكام الالتزام بالقانون المدني
في إطار القانون المدني الإماراتي، يُعرّف الالتزام بأنه رابطة قانونية يلتزم بمقتضاها شخصٌ تجاه آخر بأداء عملٍ أو الامتناع عنه. وتنشأ الالتزامات من عدة مصادر نصّ عليها القانون الاتحادي رقم (5) لسنة 1985 بإصدار قانون المعاملات المدنية، منها:
- العقد: وهو المصدر الأساسي للالتزامات، وينشأ بإرادتين متطابقتين على إنشاء التزام أو نقله أو تعديله أو إنهائه.
- الإرادة المنفردة: كالوعد بجائزة أو الإقرار المعلن من طرف واحد متى استوفى شروطه القانونية.
- الفعل الضار (المسؤولية التقصيرية): ويقع حين يتسبب شخص في ضررٍ غير مشروعٍ للغير، فيلتزم بالتعويض.
- الإثراء بلا سبب: حين ينتفع شخص على حساب آخر دون سند قانوني، فيلزمه القانون بردّ ما أثرى به.
- القانون نفسه: إذ قد ينشأ الالتزام مباشرةً بنص تشريعي كما في حالات النفقة أو المسؤولية عن التبعية.
تنظيم العقود المدنية
يُشكّل تنظيم العقود أحد الأعمدة الجوهرية في القانون المدني الإماراتي، حيث يقوم على مبدأ حرية التعاقد ما لم تخالف العقود النظام العام أو أحكام الشريعة الإسلامية. ومن أبرز القواعد المنظمة:
- الرضا والسبب والموضوع المشروع: شروط أساسية لقيام العقد وصحته.
- وجوب تنفيذ العقد بحسن نية، فلا يجوز لأحد الطرفين الإضرار بالآخر أثناء التنفيذ.
- إثبات العقود: يقبل القانون العقود الشفوية في بعض الحالات، لكن يُفضَّل توثيقها كتابةً لتيسير الإثبات أمام القضاء.
أنواع الحقوق العينية في القانون المدني
الحقوق العينية هي الحقوق التي ترد مباشرة على الأشياء، كحق الملكية وحق الانتفاع وحق الرهن. وقد نظمها القانون المدني الإماراتي في الكتاب الثالث منه، محدداً وسائل اكتسابها وانتقالها وانقضائها.
وتنص المادة (18) على أن: «القانون الذي يسري على اكتساب الملكية العقارية أو الحقوق العينية الأخرى هو قانون موقع العقار.»
وتُعتبر الملكية التامة، وحق الانتفاع، وحق الارتفاق، وحق الرهن من أبرز الحقوق العينية في التشريع الإماراتي.
أنواع المسؤولية المدنية
تُعدّ المسؤولية المدنية في التشريع الإماراتي ضمانةً أساسية لردّ الضرر وتحقيق العدالة، وتنقسم إلى نوعين رئيسيين:
- المسؤولية العقدية: تنشأ عن إخلال أحد أطراف العقد بالتزاماته، مثل عدم تنفيذ عقد المقاولة أو الإيجار.
- المسؤولية التقصيرية (الفعل الضار): تقوم عندما يحدث ضرر دون وجود علاقة عقدية، كالتسبب في أذى مادي أو معنوي للغير.
وفي الحالتين، يُلزم المخطئ بالتعويض الكامل عن الضرر وفقًا لمبدأ «الضرر يزال» الذي أكده القانون في مواده من (282) إلى (298).
مدة التقادم في القانون المدني
التقادم هو انقضاء الحق بعد مرور مدة محددة دون المطالبة به. ويُحدّد القانون المدني الإماراتي مددًا مختلفة حسب نوع الحق أو الدعوى:
- التقادم العام للدعاوى المدنية عادة خمس عشرة سنة ما لم يُنص على خلاف ذلك.
- هناك مدد أقصر في دعاوى محددة مثل دعاوى العمل أو المسؤولية التقصيرية.
- لا يسري التقادم في حالات الغش أو انعدام الأهلية القانونية.
ويُعتبر نظام التقادم وسيلةً لحماية الاستقرار القانوني ومنع تراكم النزاعات القديمة.
دور المحامي المختص في قضايا القانون المدني
يلعب المحامي المختص في القانون المدني الاماراتي دوراً محورياً في حماية الحقوق الخاصة للأفراد والشركات وضمان الالتزام بأحكام القانون الاتحادي رقم (5) لسنة 1985 بشأن قانون المعاملات المدنية، إذ يتطلّب التعامل مع القضايا المدنية فهماً عميقاً للنصوص القانونية والإجراءات القضائية أمام المحاكم الإماراتية.
- فهم النصوص التشريعية والممارسات القضائية
 يُلمّ المحامي المدني بكافة تفاصيل القانون المدني وتعديلاته اللاحقة، ويُتابع السوابق القضائية الصادرة عن محاكم الدولة، ولا سيّما أحكام محاكم أبوظبي ودبي، مما يمكّنه من تفسير النصوص وتطبيقها بدقة وفقاً لظروف كل قضية.
- صياغة العقود والاتفاقيات المدنية
 يقوم المحامي بإعداد ومراجعة العقود لضمان احتوائها على البنود الإلزامية التي تحمي مصالح الأطراف، مثل شرط الاختصاص القضائي، وبنود القوة القاهرة، وآليات التعويض، مما يقلل احتمالية نشوء نزاع مستقبلي.
- رفع الدعاوى أو الدفاع عنها أمام المحاكم
 عند حدوث إخلال بالتزام أو نشوء ضرر، يتولى المحامي تقديم صحيفة الدعوى وفق الإجراءات المنصوص عليها في قانون الإجراءات المدنية الاتحادي رقم (11) لسنة 1992 وتعديلاته، ويُتابع مراحل التقاضي حتى صدور الحكم وتنفيذه. كما يقدّر بدقة مدة التقادم لتفادي سقوط الحق بالمطالبة.
- التفاوض والوساطة قبل اللجوء إلى القضاء
 يُفضّل في كثير من القضايا المدنية السعي إلى تسوية ودّية لتوفير الوقت والتكاليف، وهنا يظهر دور المحامي كوسيط قانوني محترف يوازن بين حقوق الأطراف ويضمن قانونية الاتفاق النهائي.
- الامتثال للشروط المحلية والاختصاص القضائي
 يتعيّن على المحامي معرفة الاختصاص المكاني والنوعي للمحاكم الإماراتية، والتمييز بين المحاكم المحلية (كأبوظبي ودبي) والمحاكم الاتحادية، فضلاً عن الاطلاع على آليات التنفيذ عبر دائرة القضاء أو محاكم دبي لضمان سرعة استرداد الحقوق.
الأسئلة الشائعة
باختصار، يُعدّ القانون المدني الاماراتي إطاراً قانونياً أساسياً يُنظّم العلاقات المدنية الخاصة في دولة الإمارات. من فهم ماهيته، وأهمية وجوده، إلى تعمّقنا في أحكام الالتزام، العقود، الحقوق العينية، المسؤولية، ومدة التقادم، ثم استعرضنا تقسيماته ودور المحامي المختص.
إن كنت بحاجة إلى استشارة قانونية متخصصة في دولة الإمارات، اتصل بنا عبر واتساب للحصول على الدعم المهني المطلوب.
اقرأ أيضًا عن:
- إجراءات الطعون الإدارية ضد قرارات الجهات التنظيمية وفق قانون المرافعات المدنية الإماراتي
- قانون الاجراءات المدنية الاماراتي 2025
- قانون الاحوال الشخصية الاماراتي: كل ما يهمك
- قانون المعاملات المدنية الاماراتي: دليلك الشامل
المصادر:
- قانون اتحادي رقم 5 لسنة 1985 بإصدار قانون المعاملات المدنية لدولة الإمارات العربية المتحدة (المادة 1 وما بعدها).
- بوابة التشريعات الإماراتية.