التحكيم في منازعات الشركات يُعدّ أداة حاسمة لتسوية الخلافات التجارية بين الشركاء أو بين الشركة وأطراف ثالثة في الإمارات.
في هذا المقال سنستعرض الإطار القانوني للتحكيم في منازعات الشركات في الإمارات، إجراءات تقديم الطلب وتنفيذ الأحكام، الفوارق بينه وبين التقاضي، واستراتيجيات تفادي النزاعات من خلال البند التحكيمي.
للحصول على استشارة قانونية متخصصة من محامي في الإمارات، تواصل معنا.
جدول المحتويات
التحكيم في منازعات الشركات في الإمارات
يُعرَّف التحكيم في منازعات الشركات في الإمارات بأنه وسيلة بديلة لتسوية النزاعات التجارية بعيدًا عن المحاكم، يقوم على اتفاق الأطراف على إحالة خلافاتهم إلى محكّم أو هيئة تحكيمية محايدة. وقد نظّم المشرّع الإماراتي هذا النظام بموجب القانون الاتحادي رقم (6) لسنة 2018 بشأن التحكيم، والذي يسري على جميع المنازعات داخل الدولة باستثناء ما يخضع للأنظمة الخاصة في المناطق الحرة مثل DIFC و ADGM.
وفي عام 2023، عُدّل القانون لإضفاء مزيد من الضمانات على نزاهة العملية التحكيمية، حيث شملت التعديلات المواد 10 و23 و28 و33 مع إضافة مادة جديدة لتشديد معايير استقلالية المحكّمين وتأكيد سرية الإجراءات. ويؤكد القانون أن حكم التحكيم يتمتع بالقوة التنفيذية النهائية، ولا يجوز الطعن فيه إلا من خلال دعوى الإبطال وضمن حالات محدودة.
نطاق التطبيق على منازعات الشركات
يغطي التحكيم طيفًا واسعًا من النزاعات التي قد تنشأ داخل الشركات أو بينها وبين أطراف أخرى، ومنها:
- الخلافات بين الشركاء حول الإدارة أو التصرفات المالية.
- النزاعات المتعلقة بعقود الوكالات والتوزيع التجارية.
- المنازعات الناشئة عن العقود الدولية أو المشتركة مع أطراف أجنبية.
دور التحكيم في حل منازعات الشركات داخل الإمارات
أصبح التحكيم التجاري في الإمارات خيارًا مفضّلًا للشركات بفضل المزايا المتعددة التي يقدمها مقارنة بالتقاضي التقليدي.
- السرعة والكفاءة: يوفّر التحكيم آلية أسرع لتسوية الخلافات بعيدًا عن الإجراءات المطوّلة للمحاكم، وهو ما يتناسب مع طبيعة الأعمال الديناميكية.
- السرية: غالبًا ما تُجرى جلسات التحكيم بسرية، مما يحافظ على سمعة الشركة ويحمي بياناتها، وقد عزّزت التعديلات التشريعية لعام 2023 هذا الجانب بشكل أوضح.
- المرونة: يتميز التحكيم بإمكانية اتفاق الأطراف على القواعد الإجرائية، ومكان انعقاد الجلسات، وحتى اختيار المحكّمين بأنفسهم، وهو ما يمنحهم حرية لا تتوافر عادة في القضاء العادي.
- الإنفاذ الدولي: بما أن الإمارات طرف في اتفاقية نيويورك لعام 1958، فإن أحكام التحكيم الصادرة فيها تحظى بقابلية للتنفيذ خارج الدولة، والعكس صحيح، بشرط مراعاة الضوابط القانونية المحلية.
- تخفيف العبء عن المحاكم: يتيح التحكيم للقضاء التركيز على القضايا غير القابلة للتحكيم أو مراجعة الأحكام في نطاق محدود، مما يعزز كفاءة المنظومة القضائية ككل.
وتجدر الإشارة إلى أن المحاكم الإماراتية غالبًا ما تحترم بنود التحكيم المندرجة في العقود، وتلتزم بإحالة النزاع إلى التحكيم متى كان الشرط صحيحًا وقابلًا للتنفيذ، باستثناء الحالات التي يثبت فيها بطلان البند أو تعارضه مع النظام العام.
قد يهمك أيضًا:
- تسجيل شركة أجنبية في الإمارات: الخطوات والشروط.
- خطوات تأسيس شركة قابضة في الإمارات.
إجراءات تقديم طلب التحكيم وتعيين المحكّمين
تُعد إجراءات التحكيم في منازعات الشركات بالإمارات عنصرًا جوهريًا لضمان فعالية هذه الوسيلة البديلة لحل النزاعات. ويبدأ نجاح العملية من صياغة بند تحكيمي صحيح وواضح في العقد، ثم المرور بخطوات إجرائية تضمن حق كل طرف في عرض دفوعه والوصول إلى حكم تحكيمي نهائي وملزم.
شروط وجاهزية البند التحكيمي
حتى يكون بند التحكيم صحيحًا ونافذًا، يجب أن تتوافر فيه مجموعة من الشروط الأساسية:
- أن يكون مكتوبًا بشكل صريح أو مضمّنًا في العقد بشكل واضح لا يقبل اللبس.
- أن يُظهر بوضوح نية الأطراف في إحالة النزاع إلى التحكيم حصريًا دون اللجوء للمحاكم.
- ألا يكون البند أحادي الجانب (Unilateral Arbitration Clause)، إذ أكدت أحكام محكمة النقض الإماراتية بطلان مثل هذا الشرط لافتقاده للتوازن بين الأطراف.
- أن يحدد موضوع النزاع أو يشمل عبارة “جميع النزاعات الناشئة عن العقد”.
- أن يحدد مكان التحكيم (داخل الإمارات مثل دبي أو أبوظبي، أو أي مكان آخر يتفق عليه)، بالإضافة إلى قواعد التحكيم المطبقة مثل قواعد مركز دبي للتحكيم الدولي (DIAC) أو قواعد الأونسيترال (UNCITRAL).
البدء في إجراءات التحكيم
عند وقوع النزاع وبدء تفعيل بند التحكيم، تمر العملية بعدة مراحل أساسية:
- تقديم طلب التحكيم: يبدأ الطرف المتضرر بتقديم طلب رسمي إلى الجهة أو المؤسسة التحكيمية المحددة في العقد، مثل DIAC أو مركز أبوظبي للتحكيم التجاري.
- اختيار المحكّمين: غالبًا يتفق الأطراف على أسماء المحكّمين، وإذا لم يحصل اتفاق، تتولى مؤسسة التحكيم مهمة التعيين.
- إبلاغ الطرف الآخر: يتم إخطار الطرف الثاني ببدء الدعوى التحكيمية، مع منحه حق الرد وتقديم دفوعه.
- مرحلة الإجراءات التحكيمية: تشمل تبادل المذكرات، تقديم الأدلة والمستندات، عقد الجلسات وسماع المرافعات.
- إصدار الحكم التحكيمي: وفقًا للمادة (44) من القانون الاتحادي رقم (6) لسنة 2018، يجب أن يكون الحكم مكتوبًا وموقعًا من المحكّمين، ويُبلَّغ إلى الأطراف عادة خلال 15 يومًا من تاريخ التوقيع.
- الطلبات الإضافية: يجوز لأي من الأطراف، خلال مهلة غالبًا لا تتجاوز 30 يومًا، أن يطلب تفسير الحكم أو تصحيح الأخطاء المادية أو استكمال ما لم يُبتّ فيه.
تنفيذ أحكام التحكيم أمام المحاكم الإماراتية
تُعتبر مرحلة تنفيذ حكم التحكيم أهم خطوة في مسار النزاع، إذ تُحوّل القرار الصادر عن هيئة التحكيم إلى سند تنفيذي مُعترف به من قبل القضاء. وقد حرص المشرّع الإماراتي على وضع قواعد واضحة في القانون الاتحادي رقم (6) لسنة 2018 بشأن التحكيم لضمان سرعة الاعتراف بالأحكام التحكيمية وتنفيذها داخل الدولة وخارجها.
الإنفاذ المحلي للأحكام التحكيمية
- بعد صدور الحكم التحكيمي داخل الإمارات، يتوجب على الطرف المستفيد تقديم طلب إلى المحكمة المختصة للاعتراف بالحكم وإصداره كسند تنفيذي، وذلك استنادًا إلى المادة 55 من قانون التحكيم.
- المحكمة ملزمة بإصدار أمر الاعتراف والتنفيذ خلال 60 يومًا إذا لم يكن هناك سبب قانوني يبرر البطلان.
- تقديم دعوى بطلان أو صدور حكم بالإبطال لا يوقف التنفيذ تلقائيًا، لكن يمكن للمحكمة أن تؤجّل التنفيذ لمدة لا تتجاوز 15 يومًا إذا وجدت مبررات جدية لذلك.
- الأحكام التحكيمية المعترف بها تصبح في قوة الأحكام القضائية النهائية، ما يتيح التنفيذ الجبري على أموال المدين.
تنفيذ الأحكام الأجنبية
أما إذا صدر حكم التحكيم في دولة أجنبية، فإن تنفيذه في الإمارات يخضع لشروط محددة:
- يجب التحقق من أن النزاع قابل للتحكيم بموجب القانون الإماراتي.
- أن يكون الحكم التحكيمي قابلاً للتنفيذ في الدولة التي صدر فيها.
- أن يستوفي الحكم الشروط المنصوص عليها في المادة 223 من قانون الإجراءات المدنية الإماراتي واللوائح التنفيذية.
- أن يُقدَّم طلب التنفيذ إلى قاضي التنفيذ الذي يبت فيه غالبًا خلال خمسة أيام من تاريخ التقديم.
ورغم هذا الانفتاح التشريعي، يمكن للمحكمة رفض التنفيذ إذا ثبت أن الحكم يخالف النظام العام أو الآداب العامة في الدولة، أو إذا لم يحصل أحد الأطراف على حق الدفاع، أو إذا تم تجاوز الإجراءات المتفق عليها بين الأطراف.
تعرف أيضًا على:
- الملكية الأجنبية للشركات في الإمارات.
- التخارج في الشركات وفق القانون الإماراتي.
- أنواع الشركات في الإمارات.
الفرق بين التحكيم والتقاضي التقليدي في المنازعات
يطرح كثير من رجال الأعمال والمستثمرين سؤالًا جوهريًا: ما الفرق بين التحكيم في منازعات الشركات والتقاضي أمام المحاكم التقليدية في الإمارات؟ الحقيقة أن لكل وسيلة خصائصها ومزاياها، والاختيار بينهما يعتمد على طبيعة النزاع وأولويات الأطراف.
الجدول التالي يوضّح أبرز أوجه المقارنة:
التقاضي التقليدي | التحكيم | بند المقارنة |
أبطأ بسبب تعدد المراحل والطعون | أسرع غالبًا بفضل الإجراءات المرنة | السرعة |
علني، والجلسات والملفات متاحة للعامة | سرّي بطبيعته ما لم يتفق على غير ذلك | السرية |
استئناف واسع وإعادة نظر شاملة | مراجعة محدودة عبر دعوى الإبطال فقط | إمكانية الاستئناف |
المحاكم تملك سلطة شاملة تشمل الإجراءات الاحترازية والتنفيذية | صلاحيات محدودة للمحكم (مثلاً إصدار أوامر وقتية بشروط) | السلطات القضائية |
القاضي يُعيّن من قبل النظام القضائي | الأطراف تختار المحكم أو الهيئة | اختيار القاضي/المحكم |
تنفيذ الأحكام القضائية قد يواجه عراقيل خارج الدولة | أحكام التحكيم قابلة للتنفيذ عالميًا بموجب اتفاقية نيويورك 1958 | الإنفاذ الدولي |
غالبًا أعلى بسبب طول المدة وتعدد الإجراءات | قد تكون أقل أو أكثر حسب تعقيد النزاع ورسوم المحكمين | الكلفة |
استراتيجيات الشركات لتفادي النزاعات عبر بند التحكيم
تُدرك الشركات في الإمارات أن إدراج بند تحكيمي محكم الصياغة في عقودها يُعد وسيلة وقائية فعّالة لتفادي النزاعات أو على الأقل تسريع حسمها عند وقوعها. ولتحقيق أقصى استفادة من التحكيم في منازعات الشركات، يمكن اتباع الاستراتيجيات الآتية:
- صياغة بند التحكيم بدقة: يجب تحديد مكان التحكيم، القواعد الإجرائية، عدد المحكمين، اللغة الرسمية، وآليات اختيارهم بشكل واضح لتفادي أي التباس مستقبلي.
- تضمين شرط متوازن: ينبغي تجنّب البنود أحادية الجانب (Unilateral Arbitration) التي قضت محكمة النقض الإماراتية بعدم جوازها، لما فيها من إخلال بمبدأ المساواة بين الأطراف.
- اختيار مؤسسات تحكيم موثوقة: مثل مركز دبي للتحكيم الدولي (DIAC) أو مراكز أبوظبي للتحكيم، أو الاستعانة بالقواعد الدولية كقواعد الأونسيترال (UNCITRAL).
- إدراج آليات تسوية أولية: مثل الوساطة أو التفاوض لفترة محددة قبل اللجوء إلى التحكيم، وهو ما يساعد على حل النزاع وديًا دون الدخول في إجراءات مطوّلة.
- تعزيز الشفافية والإفصاح: الاتفاق مسبقًا على قواعد الأدلة ومراحل المرافعات لتقليل عنصر المفاجأة واعتراضات الشكل خلال الإجراءات.
- اختيار محكّمين مستقلين: خصوصًا بعد تعديلات 2023 التي شددت على حظر أي علاقة مباشرة بين المحكّم وأحد الأطراف بما قد يؤثر على نزاهته.
- المراجعة الدورية للعقود: مع تطور البيئة التشريعية في الإمارات، يُستحسن تحديث البنود التحكيمية بانتظام لتواكب المتغيرات القانونية وتفادي أي بطلان مستقبلي.
لماذا تختار مكتب محامي الإمارات في قضايا التحكيم التجاري
اختيار محامي شركات في الإمارات مختص في قضايا التحكيم التجاري في الإمارات يُعد خطوة فارقة في ضمان حقوق شركتك وتسريع إجراءات النزاع. مكتبنا يتميز بعدة نقاط قوة تجعلنا الخيار الأمثل:
- خبرة عميقة في القوانين الإماراتية وتشريعات التحكيم الوطنية والدولية.
- فريق متخصص يضم محامين ومحكّمين سابقين يمتلكون فهمًا عمليًا لديناميكيات التحكيم.
- دعم متكامل في جميع مراحل القضية، بدءًا من صياغة بنود التحكيم، مرورًا بتقديم الطلبات والدفاع، وصولًا إلى تنفيذ الأحكام.
- شبكة علاقات محلية ودولية تتيح لنا التنسيق الفعّال مع أهم مؤسسات التحكيم في المنطقة والعالم.
- التزام بالسرية والكفاءة بما يضمن تقديم خدمة قانونية احترافية تحافظ على سمعة موكّلينا وتحقق أفضل النتائج.
الأسئلة الشائعة
التحكيم في منازعات الشركات في الإمارات يوفر للشركات بيئة أكثر مرونة وسرعة وفعالية في تسوية النزاعات مقارنة بالتقاضي التقليدي، بشرط صياغة دقيقة للبنود التحكيمية والتزام بالإجراءات القانونية. مكتبنا يمتلك الخبرة والكفاءة لمرافقتك في هذه القضايا من البداية إلى التنفيذ.
للحصـول على استشارة قانونية متخصصة في التحكيم التجاري في الإمارات، اتصل بنا اليوم عبر الهاتف أو البريد الإلكتروني.
اقرأ أيضًا عن:
- إجراءات تصفية الشركات في الامارات: الدليل الشامل.
- خطوات عقد شراكة بين شركتين في الإمارات.
- كيفية تحصيل ديون الشركات في الإمارات.
المصادر التشريعية والرسمية الأساسية:
- القانون الاتحادي رقم (6) لسنة 2018 بشأن التحكيم (مع التعديلات 2023).
- التعديلات بموجب المرسوم الاتحادي رقم (15) لسنة 2023 على قانون التحكيم الاتحادي.
- تطبيقات المحكمة الاتحادية ومحكمة النقض (مثل رفض البند التحكيمي الأحادي).
- لوائح تنفيذ الأحكام الأجنبية وفق المادة 223؛ وآلية الإنفاذ أمام قاضي التنفيذ.